الرئيسية
بسبب ما تجده هواية ورياضة تسلق الجبال والمرتفعات في كوريا من شعبية ورواج فإن كل سبل المواصلات والنقل المؤدية إلى تلك الأماكن عادة ما تكون محجوزة ومزدحمة ومكتظة ومكتملة العدد تماما. كل المرتفعات تعج بالمتسلقين في أكثر الأوقات، من أقل المرتفعات انخفاضا وحتى المرتفعات شاهقة العلو. ليس من المعروف بشكل قاطع متى بدأ انتشار تسلق المرتفعات كجزء من الثقافة الكورية، لكن المؤكد الآن أنه قد أصبح شكلا معتادا من أشكال حياة الكوريين، وأسلوبا ونمطا حياتيا شائعا. وحسب إحصائيات جرت مؤخرا فإن نحو 18 مليون كوري يتسلقون المرتفعات الآن كل شهر.
تسلق المرتفعات رياضة وهواية ونشاط وترويح عن الروح والبدن. في الماضي كان البعض ينظر لتسلق كنوع من العذاب، لكنه صار الآن هواية وترفيها وتسلية وترويح عن النفس وفرصة للتنزه مع الأسرة أو الأصدقاء. الشباب ينظر للجبال والمرتفعات الآن نظرة مختلفة عن كبار السن الذين يرون في الأمر خطورة بينما يراه الشباب رياضة مسلية آمنة ومثيرة رغم بعض الحوادث هنا وهناك أحيانا.
تعلم الكوريون عشق الجبال والمرتفعات بسبب تضاريسها وبسبب وجود عدد لا يستهان به من المرتفعات الفريدة والجميلة التي تغطي نحو 70% من الأراضي الكورية. كثيرة جدا هي القرى الكورية التي تتقوقع فوق الجبال وحتى قصر كيونغ بوك، وهو القصر الملكي الكبير في عهد مملكة جوسون، كان يطل على جبليْ "بوك هان" و"إين وانغ 인왕" اللذين يحجبان عنه العواصف والرياح العاتية. الجبال باختصار هي خاصية كورية فريدة.
هناك أكثر من ألف من الجبال والمرتفعات في كوريا، بعضها معروف على مستوى عالمي عريض، وبعضها مغمور ولا يحمل اسما. المرتفعات والأنهار في كوريا هي نماذج حية لجمال وأناقة الطبيعة وسحرها. ثلاثة قمم بديعة من المرتفعات تطل على نهر متعرج تمثل لوحة طبيعية نادرة. رحلة اليوم ستكون إلى جبال مدينة تي بيك التي تبعد عن سيئول مسافة تبلغ أربعة ساعات. توجد أربعة مسارات للتسلق حتى تشون جيه دان على ارتفاع 1567 مترا فوق سطح البحر. التسلق عبر أيٍ من هذه المسارات يحتاج للياقة بدنية ونشاط وتسخين قبل البدء.
الجزء الأول من المسار وعر ومليء بالصخور وبأوراق الخريف المتساقطة على الأرض. وكلما امتد المسار كلما صار أكثر ضيقا وانحدارا وكلما صارت الخطى أكثر بطئا ومشقة. وعندما يبلغ المتسلقون حدا من التعب والإجهاد تتطلع أعينهم نحو أفرع وغصون أشجار الصنوبر وهي تهتز مع الرياح وتتساقط منها الأوراق لتخلق أبسطة أرضية سميكة وشديدة الجمال.
ورغم شدة الإجهاد الذي يحس به الكثيرون فإن المتعة لا تتوقف. الطبيعة في كل المواسم والفصول هي مصدر جمال لا يتوقف عن العطاء، ليس في الخريف وحده وإنما ربيعا وصيفا وشتاء. هذا العطاء الموسمي على اختلاف الفصول هو ما يمنح المتسلقين دائما الرغبة والطاقة والحيوية والإصرار على مواصلة المشوار مهما بلغت درجة العناء. الأنفاس تعلو وتهبط، واللهاث يبلغ أشده بسبب الجهد المبذول، والخطوات تتراخي قبل أن تعجز عن الحركة تماما.هنا يتحفز أعضاء فرق الإنقاذ تحسباً لأي حالات طارئة ويمسك الأزواج بأيدي زوجاتهم ويمد الصديق الأقوى يد العون للصديق الأضعف، ويملأ الحب والمودة والتضامن كل أرجاء المكان.
وكأن النبع ينادي كل من أحس بالظمأ، وكان الجميع يتداعى له لكي يلبي النداء على الطريقة الكورية التقليدية، فقد اعتاد الكوريون عند التجمع قرب نبع أو عين ألا يشربوا الماء بواسطة أكواب أو كئوس صغيرة وإنما بواسطة دلو أو وعاء كبير.
وبسبب الزيادة الكبيرة في أعداد المتسلقين صار هناك الكثير من محلات التسوق المتنوعة على مسارات التسلق. ويقدر حجم هذه السوق المنتشرة على مسارات التسوق الآن بأكثر من 3,5 مليار دولار سنويا، ويتم في تلك المحلات بيع ملابس التسلق وأدواته وغيرها.
للمرتفعات الكورية وجوه متعددة، وجه ربيعي أخضر، ووجه منتعش بلون النسائم في الصيف، ووجه خريفي متعدد الألوان، ووجه شتوي أبيض بلون الثلج. والمرتفعات الكورية بقممها التي تبدو مثل البروج ومساراتها المتنوعة تفتح اذرعها لتضم الجميع مثل الأم المعطاءة الرؤوم. ومثلما يحب كل طفل أمه، لا يتوقف حب الكوريين لجبالهم.
