السيد بارك هيون غون يعيش في مدينة أوسان في وسط كوريا، وهو في حالة استمتاع واضح برعاية مزرعته داخل منزله. يقول إن امتلاكه لمزرعة داخل منزله أمر أشاع كثيرا من البهجة والمتعة في حياته وجعل منزله أروع وأجمل بالكثير من المعايير. لم يعد حادا ومتقلب المزاج كما كان في كثير من الأحيان في الماضي، حيث إن رعاية مزرعته أعطته الكثير من الصفاء النفسي والراحة الذهنية وساعدت مزاجه على التحسن وهدوء الأعصاب والاسترخاء. رعاية مزرعته جعلته كمن يرعى أطفاله أو يشرف على تربية حيوانات مدللة ومحببة للنفس.
كثيرا ما يستمتع السيد بارك بحديقته بشكل جماعي مع جيرانه وأصدقائه من خلال إعداد لقاءات داخل الحديقة أو بواسطة إهدائهم بعض ثمار المزرعة من خضروات وفواكه. هذه الهواية الزراعية للسيد بارك ليست مقصورة عليه وحده، بل هي توجه جديد وعام آخذ في الانتشار وسط الكثيرين ممن صاروا يهتمون بإنشاء ورعاية مزارع صغيرة داخل منازلهم في المدن التي يقيمون فيها. الكثير من سكان المدن صاروا الآن يستمتعون بزراعة وإنتاج خضروات وفواكه ومحاصيل زراعية متنوعة في حدائق صغيرة داخل منازلهم في الأفنية أو الأسطح أو حتى على الشرفات مما يمنحهم الكثير من الراحة الجسدية والذهنية.
أطفال صغار يمارسون زرع حبوب الأرز بأياديهم الصغيرة في أحواض صغيرة في المزارع الصغيرة المخصصة لهم، في حالة واضحة من الإثارة والاستمتاع والسعادة لأنهم يعرفون أنها سوف تنمو وتكبر تماما كما هم يكبرون وينمون.
هذا المنظر ليس في قرية ريفية بعيدة، لكنه في قلب العاصمة سيول. قامت مدينة سيول بتنظيم أول معرض زراعي لها داخل ساحة فارهة وقريبة من بلدية سيول وذلك خلال الفترة من ال14 وحتى ال17 من شهر يونيو الماضي. تم تنظيم هذا المعرض لتشجيع ظاهرة الزراعة الحضرية التي بدأت في الانتشار في مدينة سيول لأنها ظاهرة تدعو للحفاظ على البيئة والطبيعة وتوسّع من مدارك سكان المدن وتعرفّهم بأهمية الزراعة في حياة الناس سواء كانوا في الأرياف أو الحَضر.
خصصت بلدية سيول هذا العام كعام لبدء الزراعة الحضرية وقررت استثمار ما يعادل 5.7 مليون دولار لتحويل نسبة 1% من مدينة سيول إلى مزارع حضرية. وتنوي البلدية تحويل العديد من المناطق المهجورة وغير المستصلحة داخل المدينة وفي بعض الجزر إلى مناطق منتجة للخضروات والفواكه. وسيتم زرع عدد من السلالات النباتية المختلفة بما فيها الأرز في المناطق المختلفة التي أطلق عليها اسم "حقول الضفادع" بسبب العدد الهائل من الضفادع التي تعيش بالقرب منها. وبجانب حقول الأرز يوجد الكثير من الحدائق والمزارع. مزرعة "نودل" لزراعة الخضروات تمتد على مساحة 2300 متر مربع وهي عبارة عن مزرعة جماعية. والزراعة الحضرية لن تكون مقتصرة على مدينة سيول وحدها، حيث قررت عدة بلديات أن تحذو حذو بلدية سيول من خلال إعداد الكثير من المزارع الحضرية.
كثير جدا من الأشياء القديمة المهملة يمكن استعمالها في الزراعة الحضرية، مثل عبوات البلاستيك المختلفة والآلات الموسيقية القديمة وحتى لٌعب الأطفال والإطارات غير الصالحة. ومن بين المزارع التي عرضت في المعرض ووجدت تجاوبا وشعبية كبيرة : مزرعة حضرية مكتملة التأثيث من الأشياء المهجورة والمستعملة.
المزارع الحضري بارك هيون غون من أوسان مثلاً عرض الأنابيب التي يستعملها داخل مزرعته والطريقة التي ابتكرها لرصّ تلك الأنابيب رأسيا وأفقيا لاستعمالها بشكل عملي فعال للري والزراعة داخل المنزل وبصورة جعلت من المزرعة عبارة عن لوحة فنية جمالية.
كان معرض الزراعة الحضرية مناسبة لتزويد الكثيرين بالأفكار الجديدة وإطلاعهم على العديد من التجارب الناجحة التي تمت من قبل بواسطة البعض وعلمتهم العديد من الوسائل والأساليب والطُرق والكيفية اللازمة للزراعة الحضرية داخل المنازل.
وكان هناك أيضا قسم خاص بالبساتين يضم نحو ثمانين بستانا صغيرا، وأقسام أخرى خاصة بثقافة الزراعة الحضرية والبرامج والخطط الزراعية المختلفة، والعلاقة بين الفنون الجمالية والزراعة كفن وإبداع. مجرد مشاهدة محتويات المعرض لا يجعل من الشخص مزارعا بالطبع، ولهذا فلا بد من معايشة كل البرامج والفعاليات.
هذا البرنامج يعلّم الزائر كيفية الاستفادة من الطحالب في الزراعة الحضرية. الطحالب ليست مخلوقات تافهة كما تبدو بل هي ذات فائدة لنمو النبات وتزويده بما يحتاج من رطوبة، وهي معلومات قد تكون جديدة تماما لأكثر المزارعين الحضريين، الذين قد لا يعرفون أن النباتات تحتاج لأكثر من مجرد الماء والري.
أكثر سكان المدن غير معتادين وربما يتأففون من لمس التربة بأياديهم المجردة لاعتقادهم بأنها شيء قذر، لكنهم داخل المعرض لا ينفرون من ملامسة بل وخلط وعجن التربة بأيديهم، كما يحثون أطفالهم على فعل ذلك. هذه المعلمة أحضرت معها بعض تلميذاتها للمعرض وتقول إن التلميذات كن في قمة السعادة بالعودة للطبيعة.
قضاء ساعات قليلة مع التربة والبذور والأسمدة والمخصبات وأدوات الري ومعدات الزراعة يمكن أن تمنح البعض، من سكان المدن وأهالي الحضر، عمرا جديدا وحياة ثانية، وتخلق لديهم مفاهيم جديدة عن الأرض والطبيعة والبيئة والمناخ والهواء النقي العليل، وتعلمهم أن الزراعة ليست مقصورة على أهل الريف وحدهم، لكنها للجميع في القرى والحضر.