حتى وقت قريب في حقبتيْ السبعينات والثمانينات، كان تنظيم معسكر يعني سلسلة من الأعمال الشاقة والمجهدة من نصب للخيام وإشعال نيران وطهي، وغيرها من الأشياء المجهدة. لكن المعسكرات كانت أيضا فرصة للقيام بنشاطات ممتعة وإظهار مواهب ومهارات البعض من عزف وغناء وغيرها.
أخذت ظاهرة إقامة المعسكرات في الأعوام القصيرة الماضية في الانتشار بحماس في العديد من ربوع كوريا حتى بلغ عدد المشاركين فيها نحو مليون شخص.
من المؤكد أن العمل المستمر والمضني لخمسة أيام في الأسبوع يتسبب في الكثير من التعب والإجهاد بدنيا وذهنيا ونفسيا، وهو ما يخلق الرغبة في الاسترخاء والراحة والاستمتاع بالطبيعة، وهذا هو ما توفره المعسكرات.
الأطفال يجدون هنا فرصة للانطلاق بعيدا عن القيود والحواجز الأسمنتية، ودون خوف من السيارات والشاحنات المسرعة. المعسكرات فرصة للأسرة للتجمع والاستئناس بالطبيعة.
الطبيعة هي خير ملعب للأطفال الذين يمارسون كل أشكال اللعب واللهو بين الأشجار والتلال.
الأطفال الذين كانوا يخافون ويتوجسون من أشياء كثيرة، ومن مجرد حشرات صغيرة كالفراشات، يجدون أنفسهم في انسجام تام معها هنا في المعسكر، بعد أن يكونوا قد فهموا ووعوا منطق ودروس الطبيعة.
هذه الأم سعيدة بأن ترى أولادها في هذه الحالة من الحرية والانطلاق، وهي سعيدة كذلك من أجل زوجها الذي وجد فرصة للراحة من عناء العمل.
إذا كانت المعسكرات في القرن العشرين هي جزء من حركة السفر والسياحة، فهي اليوم أكثر من ذلك بكثير، حيث أصبحت تعد بمثابة علاج نفسي وروحي.
بدأت ظاهرة إقامة المعسكرات عالميا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. فبحكم طبيعة الحروب وتنقلات وتحركات القوات المشاركة فيها، تطلب ذلك تجهيز معسكرات لتوفير المأوى الملائم لتلك القوات. وحسب السجلات التاريخية تم تنظيم أول معسكر في كوريا بواسطة الدكتور "أندر وود" في عام 1915. ويقال إن مؤسس جامعة يونسي حمل وقتها خيمة وبعض الأدوات الأخرى اللازمة لتجهيز معسكر داخل سياراته وانطلق للبحث عن مكان ملائم على السواحل القريبة خلال موسم الصيف القائظ. وهكذا، ظلت عملية تنظيم معسكر في كوريا نشاطا أرستقراطيا غير عادي يقوم به عادة الغرباء والأجانب. لكن مع مرور الأيام أخذ المواطنون العاديون في الاهتمام بإقامة معسكرات، خاصة بعد البدء في بناء الطرق البرية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي والتوسع في اقتناء السيارات في الثمانينات. وبالتالي، تم افتتاح أول معسكر للسيارات في كوريا في "جو مون جين" في عام 1986. ولم تكن عملية إقامة معسكر في كوريا شيئا سهلا، حيث كانت الطرق وعرة وتفتقر للكثير من إجراءات السلامة، وكانت بعض المناطق متخلفة وبدائية، لكن الصورة أصبحت مختلفة تماما الآن.
ومع انتشار ظاهرة المعسكرات، تشهد سوق الأدوات والتجهيزات ذات الصلة نموا مستمرا بلغ حوالي 200 مليون دولار في عام 2010، ثم قفز إلى أكثر من 400 مليون في العام الحالي.
المحلات المتخصصة في بيع تجهيزات المعسكرات حافلة بكل ما يمكن أن يحتاج إليه العملاء.
هناك جهات مسؤولة في الحكومات المحلية تعمل على تشجيع وتسهيل انتشار ظاهرة إقامة المعسكرات بهدف إنعاش الاقتصاد المحلي وتشجيع السياحة الداخلية. هناك الآن نحو أربعمائة منطقة في كوريا مجهزة وصالحة تماما لاستضافة المعسكرات.
وتتنافس الحكومات المحلية على اجتذاب المعسكرات والجماعات الراغبة في تنظيم المعسكرات، وتفعل كل ما في وسعها لتذليل أي عقبات.
وبالتالي أصبحت عملية إقامة معسكر شيئا أكثر سهولة، حيث صارت الاحتياجات اليومية الضرورية، بل وحتى الأشياء الغريبة غير المألوفة، في متناول اليد داخل تلك المعسكرات.
لكن البعض يرى أن توفير كل شيء بذلك الشكل السهل أمر يتنافى مع طبيعة المعسكرات ويهدم فكرتها الأساسية التي تركز على القدرة على التصدي للصعاب وتذليل المشاكل. ولكل جانب وجهة نظره التي لا تخلو من وجاهة، والإمكانيات المادية هي التي تحدد في النهاية طبيعة المعسكر.
الطهي الخارجي ممارسة شبه ضرورية في المعسكرات حيث يتم جلب كل المكونات المطلوبة من لحوم وخضراوات، ثم يتم تجهيزها داخل المعسكر.
الطهي داخل المعسكرات عادة ما يكون مهمة جماعية تشمل النساء والرجال، بل وفي كثير من الأحيان تكون مهمة الرجال وحدهم، حيث تكتفي النساء باستنشاق الهواء الطلق.
المعسكرات في كوريا أصبحت فرصة طيبة للاستمتاع بسحر الطبيعة المنعشة ودفء العواطف الأسرية، وهي كذلك راحة للبدن والنفس، وترفيه للروح، في مواجهة عناء العمل وارتفاع درجات الحرارة.